طفولة تُسرق تحت وطأة الفقر

ديانا عبده

في مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني في لبنان، لا يبدأ الصباح المدرسي لدى جميع الأطفال على حدٍّ سواء؛ فبينما يتوجّه بعضهم إلى مدارسهم مع ساعات النهار الأولى، يُجبر آخرون على حمل أدوات العمل بدل حقائب الكتب، مثقلين بأعباء لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة.

لم تعد عمالة الأطفال في المخيم حالة فردية أو استثناءً عابرا، بل تحوّلت إلى ظاهرة فرضتها ظروف اقتصادية وإنسانية قاسية. فالمخيم يعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وارتفاع متزايد في معدلات الفقر، إلى جانب محدودية فرص العمل، لا سيما بعد الأزمات المتلاحقة منذ عام 2019، ما زاد الضغوط على العائلات ودفع بالكثير من الأطفال إلى سوق العمل على حساب حقهم في التعليم.

ولا تتوقف تداعيات هذه الظاهرة عند حدود الحرمان من الدراسة، بل تمتد لتطال الصحة النفسية والجسدية للأطفال. إذ يتعرّضون لاضطرابات نفسية، وقلق وتوتر دائمين نتيجة تحمّلهم مسؤوليات تفوق سنّهم، إضافة إلى شعورهم بالإحباط بسبب حرمانهم من بيئة الطفولة الطبيعية. وتشير الدراسات إلى أن العمل المبكر يترك آثارا سلبية على السلوك والصحة النفسية للأطفال، فضلًا عن المخاطر الجسدية، حيث يصبح الطفل أكثر عرضة للإصابة والتعب، لأن أجسادهم غير مهيّأة لتحمّل ضغط العمل الشاق وساعات العمل الطويلة.

تبقى عمالة الأطفال في مخيم عين الحلوة جرحا إنسانيا مفتوحا، يكبر بصمت بين أزقّة المخيم ووجوهٍ صغيرة حُرمت من حقّها الطبيعي في الطفولة. فحين يُجبر الطفل على العمل بدل الجلوس على مقعد الدراسة، وحين يتحوّل اللعب إلى عبءٍ مؤجَّل، تُسلب منه براءته ويُثقل قلبه بما لا يليق بعمره. هؤلاء الأطفال لا يحتاجون إلى الشفقة، بل إلى الحماية، والفرص العادلة، وبيئة توفّر لهم الأمان والأمل. إن إنقاذ طفولتهم ليس مسؤولية فردية، بل واجب إنساني وأخلاقي جماعي، يفرض علينا أن نعيد للطفولة مكانتها، وللأطفال حقّهم في الحلم بمستقبل أكثر عدلًا وكرامة