«غزل البنات» بعد نصف قرن بين النقاد والمؤرّخين و.. الجمهور!

«غزل البنات» بعد نصف قرن بين النقاد والمؤرّخين و.. الجمهور!

لو سألت أي مشاهد عربي، من المحيط إلى الخليج، هل تحب ان تشاهد فيلم «غزل البنات» مرّة أخرى؟ لأجابك على الفور: بالطبع نعم.. حتى لو كان هذا المشاهد نفسه عاجزاً عن تذكر عدد المرات التي شاهد فيها هذا الفيلم، ومن هنا، لا أتصور ان فيلماً «يتربص» النّاس انتظاراً لعرضه أكثر من «غزل البنات».
هناك بالتأكيد أفلام أكثر أهمية من «غزل البنات» من حيث القيمة الفنية أو الموضوعية، لكن هذه مسألة قد تعني الناقد أو المؤرخين... أما الجمهور العادي، ومن جميع المستويات والأعمار والأمزجة، فيفضل مشاهدة «غزل البنات» تحديداً الذي بات يقارب الاسطورة، وحيث توافرت فيه كل عوامل المتعة الراقية، حتى انه عاش أكثر من 65 عاماً، ولا زال، من دون ان يفقد قدرته الشديدة على اغراء المشاهد بمتابعته مرّة أخرى، إذا شاء هذا المشاهد ان يضحك ويتألم... ان يحزن ويبكي، مع كوميدي عظيم نادر المثال هو نجيب الريحاني... أو ليستعيد مجدداً أغاني خالدة للمطربة ليلى مراد التي جاءت في «غزل البنات» في قمّة تألقها ورقتها، وهي التي كانت بالنسبة لأبناء جيلنا، نموذجاً للحب والخيال والجمال والحضور المدهش لوجه رقيق وصوت شديد العذوبة.
ان أي مراجعة لـ «غزل البنات» ستقودنا بالتأكيد إلى عدّة أسماء امتلكت الكثير من القدرات مثل نجيب الريحاني وبديع خيري، ككاتبين للسيناريو والحوار، رغم انهما كمعظم اعمالهما، استندا إلى مسرحية «توباز» الفرنسية التي استهلكت في أعمال فنية مصرية كثيرة، في المسرح والسينما، ومنها فيلم «غزل البنات»، حيث نجحا في نقلهما للجو والمذاق المصري تماماً، بفضل عبقرية انتاجية واخراجية وفرها الفنان أنور وجدي الذي كان مخرجاً متوسطاً وممثلاً ذا جاذبية خاصة أكثر بكثير - بالتأكيد - من قدرته كمخرج؟!.
ولقد لعب الثنائي «ليلى مراد - أنور وجدي» دوراً خاصاً ومميزاً في السينما المصرية، أواسط القرن المنصرم، لا يمكن تكراره، خصوصاً لما امتلكاه من عناصر الجذب الجماهيري الناجحة حينذاك: الأغاني، الاستعراض، الابهار، وكل عناصر الكوميديا والإثارة والتشويق، ثم القصص الشعبية البسيطة التي يمكن ان تصل إلى مختلف الأذواق، من دون أي فلسفة أو تعقيد..
ان العودة إلى «غزل البنات» بعد 65 عاماً، تقودنا إلى هذا الحشد من الفنانين الكبار إلى جانب نجيب الريحاني وليلى مراد وأنور وجدي، أمثال سليمان نجيب وعبد الوارث عسر وفردوس محمّد ومحمود المليجي واستفان روستي وفريد شوقي (في لقطة واحدة) وسعيد أبو بكر وزينات صدقي..
ولا يكتفي المنتج - المخرج - الممثل أنور وجدي، بذكائه الإنتاجي، بكل هؤلاء، وإنما شحن الفيلم نحو نهاياته بجرعات إضافية كانت كافية لسحر المشاهدين أكثر وأكثر، وحيث قدم فنان الشعب الممثل الكبير يوسف وهبي، في مشهد رئيسي واحد، ما شكل دفقاً جديداً للقضية والوقائع ومجريات الأحداث..
وليبقى أهم ما اظهره «غزل البنات» (الفيلم)، شخصية موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب الموسيقية، وسط الاغنيات الـ (6) التي لحنها لليلى مراد في الفيلم، ونعني اغنيته «عاشق الروح» التي لخصت المضمون النهائي للفيلم، أو ما يعرف بلغة السينما بـ «المورال»، وهو «ان عشق الروح مالوش آخر.. لكن عشق الجسد فاني»..