اللبناني الصيداوي الثمانيني يعودُ طالباً في كلية الحقوق .. سهيل القواس يحقق حلمه!

اللبناني الصيداوي الثمانيني يعودُ طالباً في كلية الحقوق .. سهيل القواس يحقق حلمه!

محمد الجنون

ليس أمراً عادياً في لبنان، أن ترى على مقاعد الدراسة الجامعية، رجلاً بعمر الثمانين، اختارَ تحصيل العلم بعد انقضاءِ فصولٍ من العمر. حقاً، الأمرُ هذا حصل فعلاً في صيدا، وتحديداً في كلية الحقوق – الفرع الخامس في الجامعة اللبنانية، حينما تفاجأ طلاب السنة الثانية في الكلية، برجلٍ كبيرٍ في السن يجلسُ داخل الصف بين مقاعد الطلاب، يحضُر المحاضرات كأي طالبٍ آخر. إلاَّ أنَّ الصدمة الأكبر، هي أنَّ هذا الرجل هو سهيل قواس، الأستاذ الجامعي، الحائز على عدَّة شهادات في الدكتوراه، والإعلامي اللبناني البارز، الذي أرادَ دراسة اختصاص الحقوق، ونيل الإجازة فيه، ومزاولة مهنة المحاماة، رغم كبر سنِّه.

بعد 65 عاماً.. تحقق الحُلم

“هو حلمٌ يراودني” من الصغر، حينما كنتُ شاباً يافعاً… أردتُ أن أدرس الحقوق، ولدي شغفٌ كبير في تحقيق ذلك”. هذا ما قاله الدكتور سهيل قواس، الذي يعتبرُ أنَّ هذا الأمر طبيعي بالنسبة له. في حديثٍ خاص مع “لبنان24″، يكشف قواس عن سبب إصراره دراسة الحقوق بعد كل هذه الأعوام، ويقول: “في العام 1958، كنتُ طالب حقوق في جامعة فؤاد الأول في القاهرة. عدتُ إلى لبنان وزرت عائلتي في صيدا قبل فترة الإمتحانات الجامعية. لسوء الحظ، اندلعت أحداث الحرب الأهلية الأولى في بيروت، وانقطعت المواصلات من صيدا على بيروت. عندها، كانت الإمتحانات قد بدأت في الجامعة، وأنا لم استطع الوصول إلى المطار للسفر. وبعد عناءٍ دام لـ 3 أيام، سافرتُ إلى مصر، وأكملت ما استطعت اكماله من الإمتحانات، لكنني لم أستطع إعادة المواد الأخرى التي لم أخضع لإختبارات فيها بسبب التأخير، الأمر الذي حرمني من الشهادة الجامعية. وبعدها، دخلتُ في مجال الإعلام وتخرجت عام 1964، وكان في دفعتي الجامعية رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي، الصديق العزيز. ورغم نجاحي في الإعلام، إلاَّ أنني بقيتُ أطمحُ لدراسة الحقوق، وهذا ما دفعني لدراستها الآن”.

يبرّر قواس اختياره دراسة الحقوق في الجامعة اللبنانية، بتاكيده على أنَّ “شهادات الجامعات الرسمية لا تحتاج إلى معادلات”، ويقول: “لا أختارُ إلا الجامعة الرسمية، والجامعة اللبنانية شهادتها معترفٌ بها أينما ذهبت وحللت. ولو طفت أي دولةٍ في العالم، وأردت دخول الجامعة، لا أدخل إلا الجامعة الرسمية مهما كانت”.

صدمةٌ وحكمة

المفاجأة التي شهد عليها طلاب الحقوق في الجامعة كانت كبيرة، ومنهم من استغرب وجود القواس بينهم. هذه الدهشة لم يعرفها الطلاب وحدهم، بل أيضاً عرفها الأساتذة في الكلية. انطباعاتٌ عديدة عاشها القواس بين طلابٍ يكبرهم بأكثر من 60 عاماً، ويقول في ذلك: “كل زملائي في الصف هم بعمر أحفادي، وأنا أعتبرهم كذلك. لقد تفاجأوا بحضوري بينهم، علماً أنني سجلت مواد السنة الأولى ونجحت فيها بشكلٍ كامل، ولكنني لم أكن أحضر بشكلٍ دائم. أمَّا هذه السنة، فقررت المواظبة على الحضور، واكدت للطلاب أنَّ دراستي للحقوق في هذا العمر أمرٌ طبيعي بالنسبة لي، وأنَّ زاد الإنسان هو العلم مهما عظم شأنه أو كبر”.

يشير القواس إلاَّ أنَّ السؤال الأبرز الذي سأله الطلاب له هو عمره، فقال: “احتاروا لمعرفة عمري، ومنهم من اعتبر ذلك عيباً.. لكنني أفصحتُ لهم عن عمري الحقيقي، وأسديت لهم حكمةً تجذرت في بالي منذ الصغر”.

ويتابع: “في شبابي، كنت أواظب على حضور محاضرات للمفكر مصطفى محمود العقاد، وتأثرت في فلسفته وحكمته عن العلم والمعرفة، ويعتبرُ أنَّ في العلم متعة لا تنضب، وعطاءٌ لا يخفى، وقيمةٌ كبيرةٌ لا تُسلب. وأهم أمرٍ بالنسبة لي هو مطالعة الكتاب، الذي هو جليسي ومآلي الأول والأخير”.

ويضيف: “المطالعة تطيل العمر، واللذة المتأتية عنها كبيرة، وتظل ترافق الإنسان لعشراتِ السنين. من يقرأ لا يشيخ، ومن يطالع لا يحزن، وينسى الصعاب والهموم، وهذا الأمرُ يجعله يعيش أكثر وأكثر”.

القواس في عين أساتذته

وجودُ القواس في الجامعة تحوَّل إلى حديث الجميع، وفي عين أساتذته في الصف، هو القدوة. الدكتورة حليمة القعقور، أستاذة في كلية الحقوق، وتدرس مقرر القانون الدولي العام، ويواظب قواس على متابعته. تقول القعقور في حديثٍ لـ”لبنان24″: “أول ما رأيناه، ظننا أنه قد أتى إلى الجامعة بهدف التسلية، ولكننا صدمنا بتجاوبه وتفاعله معنا في الصف. إنه طالبٌ موظب ومتلزم، يؤدي حضوره بشكل كامل، وهو بحق طالب علمٍ، إنه قدوة لي”.

وعن تفاعل الطلاب معه، تقول القعقور: “هناك نوعين من الطلاب: منهم من نسج معه علاقة إنسانية رائعة، ومنهم من لم يستوعب وجوده. نعم، شكَّل وجوده علامة فارقة في الجامعة”.

إلى ذلك، تسردُ القعقور تفاصيل حديثٍ دار بينه وبينها، لتقول: “سألته إذا كان بإمكاني أن آخذ صورة معه، فقال لي: إني تصورت مع فاتن حمامة عندما كنتُ شاباً، ولكنكِ أنت أجمل من فاتن حمامة، وأهم منها لأنك إنسانة منتجة ومعطاءة، وإني تعلمت الكثير منك”. وتتابع: “أفصح لي عن تعبه وسهره على الدراسة، لكنه أكد إصراره على النجاح والمتابعة ليحصل على شهادة الحقوق التي يحلم بها”.

ولذلك، بعد عمرٍ من الزمن، عاد القواس طالباً، وتحول إلى قدوةٍ لزملائه ولأساتذته في العزم والعلم. إلاّ أن المفاجأة الأكبر، هي أنَّ القواس ليس وحده من أراد تحصيل العلم في الثمانين، ففي كلية الحقوق في مجمع الحدث، طالبةٌ في السنة الثالثة، عمرها 70 عاماً، وهي الطبيبة غادة اليافي، ابنة رئيس الحكومة اللبناني الراحل عبد الله اليافي، التي أرادت نيل شهادة الحقوق، لتضيفها إلى شهاداتها العديدة في الدكتوراه… وحقاً “دُنيا الإرادة.. ودنيا الحياة، ويصح القول: “أطلب العلم ولو بالثمانين”.