تحديات العام 2020... اضطرّوا إلى الإنتاج اليدوي لكسب عيشهم بسبب الأزمة

تحديات العام 2020... اضطرّوا إلى الإنتاج اليدوي لكسب عيشهم بسبب الأزمة

فرح نصور
قسوة هذه الأزمة لم ترحم أحداً، فمن كان يكفيه راتبه ويعيش برخاء، أصبح دون مدخول ووجد نفسه مُجبراً على إيجاد البديل.
دفعت الأزمة الكثيرين إلى التوجّه نحو الإنتاج اليدوي في مختلف المجالات، كلٌّ في ما يبرع ويهوى. في هذه المقالة، نماذج عن هؤلاء الأشخاص الذين ذهبوا بهذا الاتجاه لكسب عيشهم.


 سهى زهر الدين
كانت سهى زهر الدين تعمل في مشغل للبياضات، وتتقاضى راتبها بالدولار. إثر الأزمة، أصبحت تتقاضاه بالليرة و"أصبح تحت الأرض"، ولم يعد المُشغِّل يعطي الرواتب شهرياً بل يومياً، أي أصبحَت سهى مياومة، وقد اتخذ المشغّل هذا القرار بسبب تراجع الإنتاج لديه أيضاً من جراء الأزمة الاقتصادية، و" قد أعمل 10 أيام أو 15 يوماً وقد لا أعمل أبداً خلال الشهر، لذا تأزّم وضعنا"، تروي سهى.
 هي المعيلة الوحيدة لعائلتها المكوَّنة من ثلاثة أولاد، وزوجها الذي لا يعمل بسبب كبر سنّه وعدم إيجاده أيّ عمل. كبُرت المسؤولية عليها وحدها، "فاضطررت إلى أن أنتج شيئاً بنفسي لأكفي عائلتي". وبعد مكوثها نحو 4 أشهر دون أي مدخول، فكّرت بالشيء الذي تبرع في صنعه وبدأت بتطريز الكروشيه على بياضات الأطفال، وتقول بحسرة: "هذا العمل يأخذ جهداً وتعباً كبيراً منّي لكن لا سبيل إلّا بذلك".
انطلقت بالعمل بأقلّ الإمكانات، وكانت قد ادخرت مبلغاً بالليرة ووجدت أنّ قيمته "تتبخّر"، فاشترت أقمشة وخيطاناً وباشرت العمل: "هذا المبلغ ميت لا محالة، فأردت أن أحييه وأستفيد منه".
تبيع سهى منتجاً بـ30 ألف ليرة، و"يستغرق ساعتين إلى ثلاث لإنتاجه، لكنّني سعيدة بأنّني لا أحتاج إلى أحد ومقتنعة برزقي. و"بحصة بتسند جرة"، ولا حلّ في هذه الأزمة سوى هذا العمل. أحياناً أجلس 12 ساعة في المعرض، حيث أعرض منتجاتي لأخرج آخر اليوم بـ 70 ألف ليرة".


حسن الصغير
حسن الصغير مهندس إلكترونيات، يعمل في سيراليون في أفريقيا. وقد جاء إلى لبنان لزيارة عائلته منذ نحو سنتين، إلّا أنّ أسباباً عديدة حالت دون عودته، وهي مرض زوجته المزمن وتفاقمه، الذي يحتاج إلى رعاية دائمة، إغلاق المطارات حول العالم بسبب انتشار كورونا، وحجز المصارف على أموال المودعين ومنها طبعاً أمواله.
كان على الرجل الستيني إيجاد أيّ مدخول لإعالة عائلته وخصوصاً طبابة زوجته، فهو المعيل الوحيد لهم. و"بسبب سرعة بديهتي وفضولي في معرفة أمورٍ كثيرة، وإن كانت بعيدة عن اختصاصي، بالإضافة إلى عدم إيجادي أي عمل في مجالي وفي سنّي، فكّرت بعملٍ يمكنني فعله خلال مكوثي الضروري في المنزل بجانب زوجتي"، يسرد حسن.
فكّر حسن أولاً بإنتاج زبدة الفستق التي يعرف كيفية إنتاجها منذ وجوده في أفريقيا، واشترى ما يلزمه وانطلق في العمل. بدأ الناس يحبّون منتجه، ما دفعه إلى أن ينوّع الأصناف وأن يبدأ بإنتاج زبدة المكسّرات كافة من كاجو وفستق حلبي ولوز، وأن يطبخ المأكولات الأفريقية ويبيعها على شكل أطباق على الطلب، كما يبيع أيضاً مكونات هذه المأكولات، ولا سيّما الحرّ والصلصة الحارّة من صنعه.
ابن حسن مهندس أيضاً ويعمل في لبنان، وراتبه لا يكفي العائلة المؤلَّفة من 6 أشخاص وتكاليف علاج والدته. "أنا أعمل وحدي وأصابعي بدأت تؤلمني بسبب هذا العمل الشاقّ، وأحياناً أسهر حتى وقتٍ متأخر من الليل لكي أنهي إنتاجي"، يروي حسن بحرقة.
وينوي حالياً التقدّم وتوسعة عمله، عبر ترخيص منتجاته ليتمكّن من بيعها في السوبرماركت. ويلفت إلى أنّ الأرباح ليست عالية لتغطية المصروف، ويضطر أحياناً إلى الإنفاق من رأس المال.
 
جنين عجيل
درست جنين السينما في الجامعة، وعملت في المسلسلات والأفلام والإعلانات مديرةً فنية. كان عملها يستدعي العمل اليدوي بموادّ مختلفة من خشب وفلين وسواهما. ولأنّها تعمل عملاً حرّاً في المشاريع الإنتاجية، فهي لا تتقاضى راتباً شهرياً، ما دفعها إلى أن تمكث في منزلها نحو أربعة أشهر دون أي مدخول. كانت قد ادّخرت مبلغاً متواضعاً بالليرة، تنفق منه لتعيش، وتقول: "كان لا بدّ من أن أنتج شيئاً وخصوصاً في ظل هذه الأزمة، وبسبب هذه الظروف الصعبة وحجز المصرف لحسابي بالدولار بعد عمل 10 سنوات، وبعدما رأيت أنّ الأزمة ستطول وقد لا أجد عملاً في مجال الإنتاج، فلا أفق لعملٍ قريب، وإذا ما سنحت لي الفرصة لعملٍ فلن يكون مرتّبه كما كان في السابق حتماً في ظل هذه الظروف".
 
وكانت فكرة الموضة والتصاميم هي الفكرة الأولى التي حاولت تنفيذها، فاستفادت من مشغل والدها الذي ساعدها على تنفيذ حقائبها الخشبية، وهي تهوى أساساً الصناعة اليدوية والموضة، وأحبّت دمج مادّة من الطبيعة وهي الخشب مع الموضة.
وفكّرت جنين في أنّ المبلغ الذي ادّخرته سينفد، وأرادت الاستثمار فيه، فاشترت حينها الموادّ الأولية المطلوبة، وبدأت برسم تصاميم الحقائب وحاولت تنفيذ تصاميمها عبر محاولات عديدة. وفي غضون نحو شهر ونصف صنعت ثلاث حقائب، ولاقت ردود فعل جميلة من محيطها، دفعتها لأن تمتهن هذه الصنعة في ظل هذه الأزمة وأن تنتج شيئاً يعود بمدخول عليها، وأطلقت صفحتها على "إنستغرام" لعرض أعمالها.  
بدأت برأس مال بمليون ونصف ليرة تقريباً، "فلو استسلمت لهذه الأوضاع لكنت فعلياً قد وصلت لاحتمال أن أموت من الجوع" وفق تعبيرها. وكانت تتأرجح ما بين الهجرة والبدء بهذا العمل الجديد، وخصوصاً في ظل هذه الأوضاع الراهنة، لكنّها اختارت البقاء بجانب أهلها ووضعت النجاح نصب عينيها، وبدأ الناس يعرفون تصاميمها، ومنهم مَن يعاود الشراء مرة أخرى.  
يستغرق إنتاج حقيبة واحدة، بحسب جنين، "نحو 10 أيام من العمل المتواصل، إلى جانب التعب والجهد ووجع كتفي ويدي. وفي المقابل لا ألقى بدلاً مادّياً مكافئاً لهذا التعب كلّه، فأسعى إلى أن تُعرف في البداية تصاميمي، رغم أنّ جميع الموادّ الأولية بالدولار وهي غير متوفّرة محلياً". كما واجهت مشكلة في بيع تصاميمها أونلاين، فالمصارف تضع شروطاً قاسية لتسلّم التحويلات المالية.