بين التأجيل والإقفال لمدارس "الأونروا" في لبنان... ما هو مصير الطلاب؟
طلاب الاونروا
ثريا حسن زعيتر
يعيش الآلاف من الطلاب الفلسطينيين في مخيّمات لبنان القلق على مصيرهم من ضياع العام الدراسي الجديد في مدارس وكالة "الأونروا" في كل عام، نتيجة الأزمة المالية التي تعاني منها والبالغة نحو 101 مليون دولار أميركي، وأثّرت على مختلف خدماتها وخاصة التربوية منها، بسبب الفساد والهدر داخل "الأونروا"، ليُضاف هذا القلق همّاً جديداً على معاناتهم اليومية التي لا تنتهي من الأوضاع الأمنية والتوتير الذي يسود المخيّمات، إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة وحرمانهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية وحق التملّك والعمل... والآن أُضيف حق التعليم في مدارس "الأونروا" وهو من أبسط الحقوق الإنسانية، ما جعله حائراً وخائفاً من المجهول الذي يخطّط له من أجل شطب حق العودة...
بين التأجيل وإقفال المدارس التابعة لوكالة "الأونروا"، يُخشى أنْ يضيع مستقبل الطلاب الفلسطينيين الذين أصبحوا على "كف عفريت"، إذ إنّ هناك خوفاً من أنْ يذهب التلامذة إلى التطرّف والانخراط في جماعات إرهابية والرضوخ للآفات الاجتماعية، فهناك نحو 500 ألف تلميذ فلسطيني (37 ألفاً منهم في لبنان)، في 700 مدرسة و8 مراكز تدريب مهني، في مناطق عمل "الأونروا" الخمسة: قطاع غزّة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا ولبنان، بينما يعمل حوالى 22 ألف موظّف في قطاع التعليم في كافة مرافق الوكالة يعني ضياع للمجتمع الفلسطيني والذهاب نحو المجهول...
حكاية المدرسة
* "بابا متى ستبدأ المدرسة؟"... سؤال يطرحه الطفل خالد الصيداوي البالغ من العمر 8 سنوات على والده عن موعد بدء الدراسة في مدرسته، فهو اشتاق لرفاقه ولأيام اللعب واللهو معهم.. فيما الوالد لا ينطق بكلمة بعدما بات لا يعرف الجواب، فهل تفتح المدارس أبوابها في موعدها أم تؤجّل؟، وماذا سيحل بالطلاب ومصيرهم؟؟
خالد الذي يسكن في أحد أزقّة المخيّم، يعيش طفولته بحذافيرها، فهناك يلعب الكرة، ويأكل "عرنوس الذرة"، ويتسابق مع رفاقه، وينتظر دخول المدرسة لإكمال دراسته، لقد أدرك صغيراً أنّ العلم سلاحه الوحيد، به يستطيع أنْ ينهض من هذا البؤس والفقر والخوف من المخيّم ويؤمّن حياة أفضل له ولأسرته.
في لحظة تأمُّل، يجلس خالد في زاوية الغرفة، يحمل بيده بعضاً من الصور التذكارية له مع رفاقه من أيام المدرسة، ومع كل صورة يشاركنا بها يقول: "يا رب أرجع للمدرسة... اشتقت للدراسة كثيراً.. لقد طلبتُ من أهلي أن اشتري "شنطة" جديدة، لكن عرفت بأنّ المدارس سوف تتأجّل أو تُقفل، لكن أنا اشتقتُ للمدرسة ولمعلماتي ورفيقاتي، كنتُ كل يوم اشتري لي ولأختي الصغيرة وأنا عائد من المدرسة، وكنتُ من الأوائل في الصف، فهل معقول أنْ أقعد بالبيت بلا درس".
وأضاف: "كنتُ أحلم بأنْ أدخل الجامعة وأصبح طبيباً جرّاحاً كي أعالج المرضى وخاصة الفقراء، فجارتنا "أم حسين" مريضة، وهي فقيرة، وأريد أنْ أعالجها، وحلمي أنْ أذهب إلى وطني فلسطين، لكن هل يمكن أنْ يتحقّق حلمي إذا أقفلت المدارس، فأنا أخاف في المخيّم كل يوم إطلاق نار وأمي تخاف عليَّ وتمنعني من الخروج من المنزل، أريد أنْ أعيش مثل الأطفال بعمري، نلعب وندرس وننجح".
حلم الطفولة
* الطالب في صف البكالوريا عصام الصفدي قال: "كان حلمي منذ طفولتي أنْ أثابر على دراستي وأنجح كي أصل لهذا الصف، وأُنهي تعليمي في المدرسة، ثم أنتقل إلى الجامعة لإكمال مشواري الطويل، لكن عندما سمعتُ بخبر تأجيل العام الدراسي لشهور خفتُ كثيراً، ولا أعلم ماذا سأفعل الآن، فأوضاعنا المادية لا تسمح لي بالتسجيل في مدرسة خاصة أما في الرسمية فبكل صراحة نحن لاجئون والأفضلية للتسجيل للطالب اللبناني، وبعدهم نحن، وبهذا الفعل سيصبح أكثر من ألفي طالب بلا تعليم، يعني أنّه سيلجأ الكثير منهم لحمل السلاح والتشرّد في الطرقات وأحيانا إلى السرقة أو تعاطي المخدّرات".
وأضاف: "كُنّا في الصف أكثر من 40 طالباً، لكن على الأقل كُنّا نتعلّم، وكان الأساتذة يجتهدون لإبعادنا عن الأوضاع الأمنية في المخيّمات ودمجنا فقط بالتعليم والدراسة، والدليل على ذلك نسبة النجاح العالية التي حقّقتها مدارس "الأونروا" في الشهادات الرسمية... أما الآن فأشعر بالضياع وكأنّني تائه، ما هو مصيرنا؟ ألا يكفي ما نعاني منه من أوضاع أمنية وخوف وتشريد، والآن يزداد الخوف على مصيرنا ومستقبلنا الوحيد هو الشهادة.. أنا كطالب فلسطيني لاجئ أحمّل "الأونروا" المسؤولية الكاملة إنْ ضاع مستقبلي ومستقبل جميع الطلاب، فقد سلبت منّا جميع حقوقنا، ولم يبق لنا إلا حق التعليم فاتركونا... أرجوكم".
خوف... وجهل
* أما طالبة "البريفيه" زهرة الشايب فقالت: "كنتُ أتحضر لدخول المدرسة هذا العام وعندي تقديم إلى الشهادة الرسمية "البريفيه"، لكن عندما سمعتُ بالخبر شعرتُ بالصدمة والخوف، فكيف لشعب بأكمله أنْ يُحرم من التعليم بسبب نقص في المال، وهذا الموضوع بالنسبة لي غير منطقي أبداً... فالمال يمكن أنْ يتوافر، ويجب على جميع الدول العالمية والعربية والغربية مساعدتنا، فنحن نتحدّث عن حق التعليم، لا عن حق اللعب، فهذا مصير ومستقبل شعب بكامله، إنْ ضاع هذا الحق، يعني أنّ الجهل سينتشر بشكل كبير وسيُصيب الأجيال القادمة أيضاً ونذهب إلى الهاوية، وهذا ما يريده العود الإسرائيلي أنْ نتلهّى بأنفسنا نحن الجيل الشبابي الصاعد وننسى وطننا الأم فلسطين".
وأضافت: "حتى لو تمَّ تأمين المال هذا العام يبقى الخوف لدينا من الأعوام المقبلة، فنحن نعيش حالة من الخوف، وكل عام نتوقّع أنْ تتوقّف "الأونروا" عن تقديم المساعدات وتقفل المدارس... ماذا نفعل؟ وإلى أين نذهب؟ الوضع الاقتصادي الذي نعيشه صعب جداً وبالكاد يؤمّن الوالد قوت يومنا، فكيف به الآن، ومصاريف المدارس والكتب ونحن نعيش في المخيّم بحالة من القلق والخوف من الأوضاع الأمنية، فكل يوم مشكلة وإطلاق نار أو اشتباكات ألا يكفي ما نعيشه؟ هل يريدون منّا أنْ نتخلّى عن قضيتنا وعن حق العودة ونهاجر؟".
مسؤولية "الأونروا"
* أما مدير مكتب "خدمات الطلبة الفلسطينيين" في لبنان عاصف موسى فطالب إدارة "الأونروا" بتحمّل مسؤولياتها كاملة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، وقال: "كل عام نسمع بتأجيل العام الدارسي أو إقفال المدارس، ووقف رواتب قطاع التعليم. هذا القرار ستنتج عنه كارثة ونكبة تعليمية وإنسانية واجتماعية لأبناء شعبنا الفلسطيني، وسيقطع رزق الآلاف من الأسر التي ليس لها مصدر رزق سوى هذا القطاع، وأحذّر من التداعيات الخطيرة للقرارات التي ستطال تخفيضات كبيرة لخدمات "الأونروا" في المجال الصحي والتربوي، خاصة أنّ هذا العام شهد نسبة نجاح كبيرة في الشهادات الرسمية وصلت إلى 97.1% في كافة مدارس "الأونروا"... ما يبرهن أنّ أبناء شعبنا الفلسطيني على تميّزهم في التحصيل العلمي رغم الكثير من الصعاب التي تواجههم من أوضاع أمنية وفقر وصعوبات في الحركة والمأساة التي يعانون منها، فيجب على الدول المانحة دعم "الأونروا"، وحثّها كي تقوم بدورها في تأمين الدعم المالي لوكالة الأونروا".
مقالات شبيهة
عرض جميع المقالاتمقتل فنان مصري على يد زوج طليقته
قتل الفنان المصري سعيد مختار البالغ من العمر 56 عاما، على يد زوج طليقته في…
"أكبر من أن تُنقل بتقرير"… ليال الاختيار تهزّ الرأي العام برسالة من السودان
تواصل الإعلامية ليال الاختيار نقل مشاهداتها من السودان حيث تحتدم الأزمة الإنسانية بعيدًا عن عدسات…
الملكة رانيا تنثر روح الميلاد في عمّان… زيارة دافئة للأطفال بإطلالة عصرية لافتة
نشرت الملكة رانيا على حسابها الرسمي في إنستغرام مجموعة صور وثّقت من خلالها زيارتها لجمعية…







