لو تجاوزنا كل التعريفات الأكاديمية التي تناولت الثقافة، محددة دورها ومهامها وأهميتها، ولو حاولنا تقييم الثقافة ومفهومها ببساطة، لقلنا أنها تلعب دوراً خطيراً في المجتمع، لأنها تخرجه من حال التخلف إلى رحاب المعرفة، وهي حتماً معطى إجتماعي أولاً وأخيراً، كونها من نتاجه.. وصورة طبق الأصل عنه، لأنها إنعكاس للتفاعل الحي والحيوي بينهما، والمثقف الحقيقي هو ذاك الذي استطاع أن يفعل في مجتمعه، هادماً كل أسباب التخلف، ومحارباً كل دواعي الجهل، ومن الضروري أن نشير إلى أن حامل الشهادات ليس بالضرورة مثقفاً، لأن الثقافة أوسع أفقاً وأكثر تنوعاً، لأنها نتيجة الجهد الفردي مضافاً إلى التعلم الإلزامي..
أما ظاهرة التغيير الثقافي التي نحن بصدد الإشارة إليها، والتي لحسن الحظ لم تتجاوز عالمنا الثالث، الذي يفعل ما بوسعه ليلتحق بركب المتغيّرات التي نشهدها، وعن هذه القضية يقول الدكتور زكي محمّد اسماعيل: تعد ظاهرة التغيير الثقافي، أهم الظواهر التي يتناولها الأنتربولوجيون وعلماء الإجتماع في عصرنا الراهن بالدراسة والعرض والتحليل لأنها سمة العصر ونتاج التقدم السريع الذي تعيشه البشرية في كافة أبعاده، لما تتركه هذه الظاهرة من بصمات بعيدة المدى على حياة السكان وأنماط سلوكهم وأساليب معيشتهم، بل وطموحاتهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل وحياة أسعد..
وبالطبع حين نتحدث عن الثقافة هنا، فإنما نشير إليها بالمعنى الأنتربولوجي الذي يُعبّر عن الميراث الاجتماعي للانسان متضمناً عاداته وقيمه وتقاليده وأساليب تفكيره وأنماط سلوكه، وكل ما اخترعه من وسائل مادية وغير مادية في زمان ومكان معينين، الأمر الذي ينشأ عنه تعدد الثقافات وتنوعها بتعدد المجتمعات واختلاف إيديولجيتها وقيمها ومشارب سلوكها، بحيث تصبح الثقافة دليل شخصية المجتمع، كما تعبر الشخصية الجماعية عن جوهر ثقافتها، ولهذا فان مفهوم التغيير الثقافي يُشير إلى كافة التغييرات التي تطرأ على الظروف أو العناصر الثقافية التي تؤثر بدورها في بناء المجتمع ووظيفته...
بعدما عانى مفهوم الثقافة الكثير في مجتمعاتنا، حين تعرض المثقف إلى التهميش والعزل، لكنه قاوم ولا يزال، لأنه يُدرك أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة والمثقف في التغيير البنيوي والفكري للمجتمع، ويعي نتيجة التطور وانعكاسه الطبيعي عليه، ويفهم أسبابه ومسبباته، ويتوق إلى إضاءة شمعة وسط الظلام الدامس، لكي يلتحق بركب التطور الحضاري الذي أصاب العالم قاطبة، وصار من الضروري أن يقول كلمته، لأنها النور والحق...
نزار سيف الدين
|