يمثل القولون العصبي واحد من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعا حول العالم، ويعاني منه ملايين الأشخاص بمختلف الأعمار. ويتميز هذا الاضطراب بتأثيراته المتعددة على الجسم، إذ لا تقتصر مشاكل الهضم فقط، بل تمتد أحيانا إلى أعراض غير هضمية، من بينها الدوخة والدوار، التي قد تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة اليومية.
تتعدد أسباب الشعور بالدوخة لدى مرضى القولون العصبي، ويعود بعضها إلى التفاعلات العصبية بين الدماغ والأمعاء. فالجهاز العصبي المعوي، المعروف باسم "الدماغ الثاني"، يلعب دورًا مركزيًا في تنظيم حركة الأمعاء واستجابة الجسم للضغط النفسي. وعند اضطراب القولون العصبي، قد يرسل الجهاز العصبي إشارات غير منتظمة تؤثر على توازن الجسم، مما يؤدي أحيانًا إلى شعور بالدوخة أو فقدان الاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التغيرات في مستويات السوائل والأملاح نتيجة الإسهال أو الإمساك المتكرر إلى انخفاض ضغط الدم أو الجفاف، ما يزيد من الدوخة. وفي بعض الحالات، قد تتداخل أعراض القولون العصبي مع اضطرابات القلق والتوتر النفسي، التي تُعتبر من أبرز المحفزات للدوخة. فالتوتر المزمن قد يؤدي إلى تسارع ضربات القلب وانخفاض تدفق الدم إلى الدماغ، ما يفاقم الإحساس بالدوار.
تتراوح تداعيات هذه الدوخة من انزعاج بسيط يمر سريعًا إلى تأثيرات أكثر خطورة، مثل فقدان التوازن أو زيادة خطر السقوط، خاصة لدى كبار السن. كما تؤثر هذه الأعراض على القدرة على التركيز والأداء اليومي، سواء في العمل أو أثناء القيادة أو ممارسة الأنشطة اليومية، ما يجعلها قضية صحية تحتاج إلى متابعة دقيقة.
وللحد من هذه السلبيات، يُنصح المرضى باتباع نظام غذائي متوازن يخفف من نوبات القولون العصبي ويحد من الدوخة المصاحبة له. يشمل ذلك تجنب الأطعمة المهيجة مثل الأطعمة الحارة، المقليات، والمشروبات الغازية، بالإضافة إلى تقليل استهلاك الدهون المشبعة والسكريات المكررة. وفي المقابل، يُستحسن زيادة تناول الألياف الطبيعية من الفواكه، الخضروات، والحبوب الكاملة، إلى جانب شرب كميات كافية من الماء يوميًا للحفاظ على توازن السوائل وتعزيز حركة الأمعاء بشكل صحي.
كما يُوصى بممارسة التمارين الرياضية بانتظام، حتى لو كانت بسيطة مثل المشي اليومي أو تمارين التنفس، لأنها تساعد على تحسين الدورة الدموية، تقوية العضلات، وتقليل التوتر النفسي الذي غالبًا ما يزيد من حدة الدوخة. تقنيات التحكم بالتوتر والقلق مثل التأمل، اليوغا، أو تمارين الاسترخاء العميق تلعب دورًا مهمًا في تهدئة الجهاز العصبي، ما ينعكس إيجابيًا على تقليل تكرار وشدة نوبات القولون العصبي والدوخة المصاحبة له.
وفي الحالات الشديدة التي لا تستجيب للتغييرات الغذائية أو أسلوب الحياة، قد يلجأ الطبيب إلى وصف أدوية مخصصة لتقليل تقلصات الأمعاء، تنظيم حركة الجهاز الهضمي، أو لتحسين توازن السوائل والأملاح في الجسم. كما يمكن أحيانًا استخدام المكملات الغذائية مثل البروبيوتيك لدعم صحة الأمعاء وتقليل الانتفاخ، تحت إشراف الطبيب المختص.
في الختام، يوضح القولون العصبي أن تأثيراته لا تقتصر على الجهاز الهضمي فقط، بل تتعداها لتشمل أعراضًا عامة مثل الدوخة التي يمكن أن تُعيق الحياة اليومية وتزيد من العبء النفسي والجسدي على المريض. لذا، من الضروري التعرف على العلاقة بين القولون العصبي والدوخة وفهم مسبباتها، مع مراجعة الطبيب المختص للحصول على استراتيجية علاجية شاملة تجمع بين التغذية الصحيحة، التحكم النفسي، النشاط البدني، والدعم الطبي المناسب، لضمان حياة أكثر راحة، استقرارًا، وصحة عامة متوازنة.
|