اكتشاف غرفة جديدة لمعبد ضخم محجوب في موقع "الفرير" - لبنان

بهية الحريري  وكلود ضومط تتفقدا الموقع
بهية الحريري وكلود ضومط تتفقدا الموقع

ما زال موقع "الفرير" الأثري في مدينة صيدا  جنوب لبنان يكشف كل يوم عن المزيد من أسرار مدينة "صيدون" وتراثها وآثارها التاريخية النادرة، وآخرها اكتشاف غرفة لمعبد ضخم محجوب في صيدا، وهو اكتشاف مهم جداً، إذ كانت هذه الغرفة مختومة ومغلقة كما تركها الصيداويون منذ 1300 ق.م، بسبب بناء أُقيم فوقها يعود تاريخه إلى العصر الفارسي، وجدران الغرفة مبنية من الحجارة الضخمة، ويُقدّر بـ 4.50 أمتار، فيما أرضيتها قائمة على عمق 7.50 أمتار تحت الطريق الحديثة...

ودلَّ اكتشاف المعبد الصيداوي لجهة الفخريات التي وُجِدَتْ فيه وأنواعها واستيرادها من مصر واليونان وقبرص، على أنّها كانت لطبقة راقية ومميّزة من المجتمع الصيداوي والدليل على ذلك أنّه كان محجوباً في عمق الأرض لحماية المعبد والطقوس الدينية التي كانت تُقام بداخله وهذا أمر نادر...

وتستمر أعمال التنقيب في موقع "الفرير" حالياً تزامناً مع بناء متحف صيدا الجديد، بواسطة هبة مالية الصندوقين الكويتي والعربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويشرف عليها "المتحف البريطاني" بالتعاون مع المديرية العامة للآثار منذ 17 عاماً...

لقد سلّط الضوء على أهمية الاكتشافات الجديدة لهذا الموقع في المدينة، وتحديداً المعبد المختوم الذي له أهمية كبيرة للآثار في لبنان نظراً إلى الترابط الزمني والتاريخي...

***

 

اكتشافات.. أثرية

بدأ العمل في حفرية "الفرير" منذ 17 عاماً، وتحديداً في العام 1998، بعدما استملكتها مديرية الآثار في العام 1960 في عهد الأمير موريس شهاب، وذلك عقب العثور على عمود تاريخي يعود إلى الحقبة الفارسية، وهو الآن موجود في المتحف الوطني، وبقيت على حالها إلى أنْ أعطى في العام 1998 المدير العام السابق لمديرية الآثار الدكتور كميل الأسمر الإذن للمتحف البريطاني لبدء الحفر والتنقيب عن آثار صيدا، قبل أن تكتشف أواخر العام ذاته أول طبقات حقبة 3000 عام قبل الميلاد، ومنذ ذلك الوقت، وأعمال الحفر والتنقيب عن تاريخ صيدا القديمة تتواصل صيف كل عام من قِبل أعضاء البعثة البريطانية الموفدة من المتحف البريطاني بإشراف الدكتورة كلود ضومط، إضافة إلى خبراء آثار لبنانيين وعمال.

وقد اكتُشِفَت في حفرية "الفرير" أكثر من مليون قطعة فخار أثرية متنوّعة بين سليمة ومكسورة، إضافة إلى 108 هياكل عظمية لأطفال ومحاربين من العهد الكنعاني، وبقايا حيوانات وصنانير وخناجر، فضلاً عن قطع مصرية موضوعة إلى جانب الموتى، كرمز للأهمية وليس للاستعمال، ناهيك عن الخواتم الذهبية والصنانير الكبيرة لصيد السمك وبعض الهياكل العظمية للأسماك، والخناجر المزخرفة، والحبوب مثل الفاصوليا البيضاء، وكأس عليها كتابة هيروغليفية مصرية وإسم الملكة "تواسغيد" التي تأتي بعد رمسيس الثاني في مصر، وقطعة من زهرة "اللوتس" المصرية، وتمثال لكاهن يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد، إضافة إلى سور    صيدا القديم الذي يُعتبر الحلقة الأخيرة من تاريخ صيدا الغابر، والذي يشكّل حلقة الوصل مع التاريخ الحديث، بدءاً من القلعتين البحرية والبرية والمتعبِّد "الصيداوي" أي هيكل أو مجسّم لإنسان كامل منقوش بالبلاستير، فضلاً عن غرف ومستودعات القمح والشعير وسواهما.

أهمية صيدا

* وقالت رئيسة البعثة البريطانية لحفرية الفرير في صيدا الدكتورة كلود ضومط: "إنّ المعبد الذي اكتُشِفَ هو عبارة عن بناء ضخم، وكان استثنائياً بالحفر القديم، كي يصلوا إلى هذا العمق تحت الأرض، وهذا يعني أنّ أهم شيء عندهم كان المعبد، ويدل على أهمية صيدا من حيث انفتاحها على دول البحر المتوسط، والتواصل ولا يمكن إلا لطبقة رفيعة جداً وذات مستوى اجتماعي عالٍ أنْ تجلب مثل هذه الفخاريات من مصر واليونان وقبرص، كما إنّ أهميته القصوى بأنّه بقي مختوما، إذ بُنِيَ فوقه معبد فارسي قبل 400 عام، وتُرِكَ على حاله حتى يومنا".

وأضافت: "بدأنا أعمال التنقيب منذ شهر ونصف الشهر بأدوات يدوية فقط، وقبل بناء أساسات المتحف تم اكتشاف آثار جديدة ما يدل على أهمية مدينة صيدا، كذلك منذ 10 سنوات اكتُشِفَت غرفة قدس الأقداس تحت الطبقة الأرضية التي يعود تاريخها إلى 1300 ق.م. حيث كان الصيداويون يعبدون آلهتهم في غرفة قدس الأقداس من هذا المعبد، الذي يعود إلى العصر البرونزي الحديث، وكذلك تم اكتشاف غرفة جديدة لهذا المعبد، وهو أمر مهم جداً إذ كانت هذه الغرفة مختومة ومغلقة كما تركها الصيداويون منذ 1300 ق.م. بسبب بناء أُقيم فوقها يعود تاريخه إلى العصر الفارسي، وجدران الغرفة مبنية من الحجارة الضخمة، ويُقدّر بـ 4.50 أمتار، فيما أرضيتها قائمة على عمق 7.50 أمتار تحت الطريق الحديثة، وقد عُثِرَ في هذه الغرفة على مواد خشبية وخزفيات مصنوعة في صيدا، والتي استوردت أيضاً من قبرص مع أواني الطقوس الاحتفالية التي تستعمل للأكل والشرب ومزج السوائل من موقع ميسان في اليونان".

وتابعت: "هذا المعبد الصيداوي كان لفئة مميّزة من المجتمع، والبرهان على ذلك أنّه كان محجوباً في عمق الأرض لحماية المعبد والطقوس الدينية التي كانت تُقام بداخله، إنّ حفريات موقع الفرير في صيدا، التي يشرف عليها المتحف البريطاني بالتعاون مع المديرية العامة للآثار منذ 17 عاماً تقدّم على تكاليف أعماله شركة الترابة الوطنية – ترابة السبع – ومؤسّسة الحريري وستتابع البعثة أعمالها في فترة الصيف المقبل مع قيام أعمال البناء في المتحف الجديد المراد تشييده على الموقع ذاته".

تاريخ... وثقافات

* وأكدت رئيسة لجنة التربية والثقافة النيابية النائب بهية الحريري، التي تفقّدت المعبد أهمية المكتشفات الجديدة أن "هذا ليس بغريب على مدينة صيدا التي تختزن على مر العصور تاريخاً وحضارات وثقافات تؤكد دورها كمدينة منفتحة على العالم ومتفاعلة معه".

واعتبرت أنّ "أهمية هذه المكتشفات أيضا تأتي في كونها تتزامن مع تقدّم سير العمل في مشروع إنشاء المتحف التاريخي للمدينة في هذا الموقع، والذي ستجمع فيه هذه المكتشفات وغيرها من آثار المدينة التي اكتشفت على مدى حقبات، لوضعها في متناول المواطنين والزوّار وفي خدمة التنمية السياحية والثقافية في المدينة والمنطقة ككل".

ثريا حسن زعيتر