المشروبات الرمضانية في صيدا القديمة لها نكهة خاصة

محل الحنون
محل الحنون

ثريا حسن زعيتر

في مدينة صيدا يبدل شهر رمضان المبارك حياة الناس وعاداتهم اليومية... وفيه يقومون بتحضير وجبات الإفطار، ولكنهم قبل ذلك يتسابقون إلى شراء المرطبات الخفيفة من تمر هندي، وجلاب، وتوت، وعرق سوس، وخروب وغيرها، لتكون عنصراً أساسياً على المائدة إلى جانب المأكولات المتنوعة...
وعلى الرغم من تواجد هذه المرطبات طيلة العام في متناول الجميع، إلا أن لها مذاقاً خاصاً في شهر البركة والخير، إذ فيها قيمة غذائية مضافة، وتروي العطش الناتج عن حرارة الصيف بعد يوم طويل من الصيام يمتد من شروق الشمس حتى غروبها...
وفي صيدا القديمة، حيث اشتهر أبناؤها بالمرطبات، أصبحت حلوى القطايف تتربع على عرش مائدة إفطار الصائمين، ويكاد لا يفارقها، فهي الحلوى المفضلة الرخيصة والخفيفة على المعدة للفقير والغني...
"لـواء صيدا والجنوب" جال في صيدا القديمة واطلع على تحضيرات صنع المرطبات وحلوى القطايف، وإقبال الصائمين عليها كي تكون على مائدتهم عند افطارهم غروب كل يوم...
***

 

المشروبات الرمضانية

 


* داخل صيدا القديمة، بات محل الحنون لبيع المشروبات الرمضانية علامة فارقة، الكل يقصده ليكون مشروباته ضيفاً عزيزاً على الإفطار بإدارة الحاج أحمد الأرناؤوط وأولاده، ينهمكون في تلبية حاجات الناس، أحدهم هذا يملأ قنينة جلاب، والآخر يضع حبات التوت في قنية أخرى، فهم كخلية نحل، تعمل بلا توقف، يقف قليلاً الحاج أحمد مبتسماً، قائلاً: "أعمل في هذه المهنة منذ 50 عاماً تقريباً، لكن في شهر رمضان الكريم يتضاعف العمل عندنا بسبب كثافة الإقبال، فالصائمون يحبون أن يطفوأ ظمأ العطش بالمشروبات المختلفة، إضافة إلى سمعتنا الجيدة والكل يحب تناول المشروبات الباردة على اختلاف أنواعها، كالجلاب والسوس والتوت والتمر الهندي والخروب، لما لها من مذاق طيب وقيمة غذائية، فهذه المشروبات تروي العطش الناتج عن حرارة الصيف بعد يوم من الصيام".
وأضاف: "نحن نحاول أن نحافظ على هذه المهنة، وقد وضعنا "فلتر" للمياة ومع النظافة الدائمة في المحل، فنحن نعمل تقريباً من الساعة 10 صباحاً ولغاية الأذان، ونقوم بتوزيع المشروبات على المحلات ونبيع القنية التوت بـ 4 آلاف ليرة لبنانية، وتضع حبات توت شامي بداخلها والجلاب بـ 3 آلاف ليرة وكل المشروبات بـ 3 آلاف ليرة لبنانية، ونحضر كل يوم بيومه، وتقريباً الكمية التي يتم تحضيرها 1000 قنينة".
وتابع: "أن شهر رمضان هو موسم مهم لبيع هذه النواع من المشروبات، صحيح  أن نسبة المبيع هذا الموسم أقل من السنوات الماضية بسبب الأوضاع الأمنية والضائقة الاقتصادية، ولكننا نأمل أن تتحسن الأوضاع وتعود صيدا القديمة إلى أيام عزها كما كانت في السابق".


ملك الجزر

 


* إلى جانب، شراب الجلاب والتوت والتمر هندي وسواها، يقبل الصائمون على المشروبات الطازجة كالليمون والجزر، حيث ينهمك الحاج إبراهيم آغا (80 عاماً) في عصر الجزر والإبتسامة على وجهه، قائلاً: "منذ 18 عاماً وأنا أقوم بعصر الجزر الطازج حتى أصبح لقبي "ملك الجزر"، الكل يعرفني بهذا الاسم، على مدار أيام السنة أعصر الجزر صيفاً وشتاًء، أما في شهر رمضان الكريم فيزداد إقبال عليه... نعم فهو كريم في رزقه يكثر العمل فيه لأن الكل يقصدني من صيدا وخارجها".
وأضاف متحسراً على الماضي الجميل: "الأوضاع اليوم صعبة، أحياناً كثيرة لا نعمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وإذا لم أعمل لا أستطيع تأمين قوت يومي وعائلتي، كنت أعمل نجاراً في السابق، ولكن عندما كبرت لم أعد أقدر على هذه المهنة الشاقة، فقررت أن أقوم بعصر الجزر والحمدلله استمريت لأن شغلي نظيف، والكل يشهد بذلك، وأبدأ العمل من الساعة العاشرة صباحاً تقريباً، وأقفل قبل الآذان في شهر رمضان، وأبيع القنينة الكبيرة بـ 5 آلاف ليرة والصغيرة بـ 2000 ليرة لبنانية".


القطايف

 


* بمقابل الشراب، يتربع "القطايف" على عرش مائدة الصائمين، فهي الحلوى المفضلة الرخيصة والخفيفة على المعدة، تباع بكثرة داخل صيدا القديمة، حيث تنهمك "أم محمد" بتحريك عجينة "القطايف" منذ ساعات الصباح لكي تساعد زوجها، وقالت وهي تحرك العجينة: "إن القطايف أحد الحلويات المفضلة على المائدة الرمضانية الصيداوية، وتكاد تكون في الوجبة الرئيسية لا تغيب عنها مطلقاً".
وأضافت: "أقوم بتحضير عجينة القطايف لكي أساعد زوجي، وأعمل حوالي 10 عجينات بالنهار حسب الطلب، ففي شهر رمضان تشتهر صيدا بالقطايف فهذا النوع من الحلويات لذيذ و"ست المنزل" هي التي تقوم باعداده بعد الإفطار، وكثيراً منهن يتفنن بحشوتها من المكونات اللذيذة كالمكسرات والجبن والكريمة، بينما تتكون العجينة من دقيق وسكر ومياه وماء زهر و"سميد" ناعم ونشا وبيكينغ باودر، بعد خلط العجينة جيداً نتركها قليلاً ثم توضع فى إبريق صغير لتسهيل سكب المزيج منه، قبل وضعها على نار الفرن لتصبح عجينة القطايف جاهزة لحشو ثم الأكل لاحقاً".
* وبالقرب من الشاكرية، يقوم "أبو أحمد" بسكب عجينة القطايف باعتزاز أمام أعين الناس، فهذا المنظر الجميل يجعل المارة يشتهون شراءها، وقال: "نحن ننتظر شهر رمضان الكريم لكي نقوم باعداد القطايف، فصناعة القطايف غير مكلفة إنما متعبة كونها تستدعي الوقوق طوال النهار وتسبقها قبلها بساعة تحضير الخليط في مع الاهتمام بتفقده وتحريكه من وقت لأخر ليكون جاهزاً".
وأضاف: "القطايف حلوى سهلة الصنع، ولو كانت متعبة، وتكاليفها متواضعة، والزبائن الذين يتوافدون لشرائها هم من الفقراء والأغنياء، "فكيلو القطايف بـ 6 آلاف ليرة، وهي حلوى طيبة المذاق ورخيصة في هذا الزمن الصعب، وهناك أسرار في صناعة القطايف تكمن في عملية الخلط، وطريقة التحضير لكي يكون لذيذاً، لكن يحتفظ بها لنفسه كل شخص يقوم ببيع هذه الحلوى كي يبقى الأفضل والأكثر شهرة واقبالاً من الناس على الشراء".

الحاج إبراهيم آغا محل الحنون داخل صيدا القديمة يصب القطايف بإنتظار الزبائن
يعملون بكد في تعبئة الجلاب القطايف جاهزة بإنتظار الزبائن مرطبات الجلاب والتوت
اهتمام ونظافة في التعبئة شراب الجلاب