استيعاب الجائحة يرسم مستقبل الاطفال - وفاء ناصر

ذاك الضّيف الخفيّ الذي حلّ ثقيلا منذ العام المنصرم على الجميع لا يقتصر أثره على حياتنا الآنية فحسب بل ينسحب على مستقبلنا. وإن كان المستوى العقلي للكبار قادرا على استيعاب المستجدات والتأقلم معها، يختلف الأمر عند الصغار والمراهقين ويضعهم في وجه التحديات سيّما أنّهم أكثر الفئات نشاطا وحيوية.
منذ بداية انتشار الوباء كان التعليم الرقمي أو التعلم عن بعد أكبر مشاكلنا قياسا بالوسائل والتقنيات المتاحة والخطط التي انتُهجت لضمان اكتساب الأطفال ولو بعض الكفايات.
وتحوّلت شاشات الأجهزة التكنولوجية من وسيلة يبغضها الأهل إلى "بعبع" مكروه من قبل الأطفال أنفسهم إثر استمرار طريقة التعلم عن بعد بعدما كانت مرغوبة وبشدة من قبلهم.
وما زاد الطين بلّة، ملل صغار السن من المكوث في المنازل واضطرارهم إلى تمضية كل الوقت مع أفراد أسرتهم الصغيرة في أكثر الاحيان، وتحمّل ابتعادهم عن أصدقائهم.
وبما أن ظروف الأطفال تختلف من عائلة إلى أخرى حسب أساليب التربية التي تعتمد، المستوى الاقتصادي- الاجتماعي، المستوى الثقافي، مكان السكن، شخصية الطفل نفسه ومهاراته... نجد أن تأثير الحجر والإقفال يتفاوت من طفل إلى آخر على المستوى النفسي والجسدي والتفاعل الاجتماعي.
بعض الأهالي وجد في هذه المحنة فرصة لقضاء الوقت النوعي مع أولادهم، لتعزيز علاقتهم بهم وللتعرف عليهم أكثر بعدما أبعدتهم عنهم الحياة العملية قسرا. تأقلموا مع الوضع المستجد، عوّدوا أبناءهم على ضرورة البقاء في المنزل حيث الأمان والسكينة لتجنّب الإصابة بالوباء. وحاولوا أن يبتدعوا أفكارا جميلة لتعويضهم عن النقص الذي دعت إليه الحاجة سواء أكان نقصا عاطفيا أو معرفيا أو حتى رياضيا. كما سعوا بشكل جدي إلى تنمية شخصيتهم ومواهبهم.
وفي المقلب الآخر، لم يمتلك قسم آخر القدرة ذاتها على تحليل الواقع الجديد وتعريف أولادهم عليه في محاولة لاستيعابه والتكيف معه. ولم يتمكنوا من تقديم مفهوم المنزل لهم كالملاذ الوحيد في ظل الأزمات. فتملّكهم الذعر والهلع وبات جُلّ اهتمامهم كيفية تأمين القوت اليومي للبقاء على قيد الحياة. وتحوّل الأطفال في هذه الحالة إلى ضحية، قلقة، غضبة، حزينة، متوترة، محبطة تعاني وتتحمّل فوق طاقتها. وانعكس ذلك في سلوكها تمرّدا، عنادا، تذمّرا وعدوانية.
مما لا شك فيه أن الأطفال، كل الأطفال دون استثناء، ملّوا من "عيشة كورونا" وبات حلمهم المشترك الالتقاء بأقرانهم واللعب معهم على سجيتهم. وكثيرة هي العبارات التي تلفّظوا ولا يزالون يتلفّظون بها. وإن اعتدنا على "زهقت من كورونا"، "بدي عيش عراحتي متل زمان"، تفاجئنا عبارات بريئة لكنها قاسية المضمون مثل "قلبي حزين عم يبكي"، " بدي موت ما قادر اتحمل"، "كورونا دمار"...
وفي هذا الاطار، يرى الاختصاصي في علم نفس العمل محمد بدرا أن الأهل مسؤولون عما يتفوّه به أطفالهم. وشبّه الطفل بال"إناء" الذي يتلّقى كل المفاهيم والمصطلحات من مختلف المشاهدات والظروف ثم يعيد استخدامها كلما دعت الحاجة لذلك، مشيرا في هذا الصدد إلى أنه ليس للأطفال أي مفهوم واضح وعلمي عما يتفوهون به، لكنهم يعبِّرون عنه انطلاقا مما "وضعه" فيهم الأهل، حتى ولو كنا نتحدث عن مفاهيم شائعة كالموت، القلق، أو الاكتئاب.
وبما أن لهذه الفترة الزمنية تأثيرا مستقبليا على شخصية الأطفال، يرى أنه يقع على عاتق الأهل في ظل الاقفال والحجر المنزلي مسؤولية خلق عالم موازٍ للخارج يُتقن فيه الأب والأم كل أدوار الشخصيات التي كان يصادفها أبناؤهم وتقديم النموذج الحسن عن المجتمع كله. وعليهما إشاعة أجواء الإيجابية، التفاؤل، الفرح، التفاهم، الألفة، الحنان، الأمان، التآخي، المحبة... لأن الأسرة في هذه المرحلة هي كل العالم بنظر الطفل.
أما عن أثر فترة الوباء الزمنية على مستقبل الاولاد، فيتحدث بدرا عن اتجاهين متعارضين ربطا بكيفية تعامل الاهل مع الواقع المستجد.
الاتجاه الاول يأخذ منحى سلبيا مدمرا للأطفال إن لم يتمكن أولياء الأمور من أن يؤمنوا لهم ما يريدون كما كان يحصل سابقا. فينعكس ذلك على أسلوبهم وعلى النظرة الجزئية والمشوهة إلى الآخر المرتكزة على التواصل الآلي.
أما الاتجاه الثاني الإيجابي فهو مفيد، ويهدف إلى تمكين الأطفال من فهم أفكار جديدة واعتماد أسلوب حياة بعيد عن الماديات والمظاهر التي سادت نمط حياتنا بعد أن ربطنا سعادتهم بالماديات. وبالتالي تقلّ متطلباتهم ويصبح إرضاؤهم سهلا. ويبقى الركن الأساسي في هذا الاتجاه المشرق متمحورا حول فهم واستيعاب الأهل لهذه المرحلة الاستثنائية وقدرتهم على ترويضها.
مقالات شبيهة
عرض جميع المقالاتانس وزينة محتوى وتاثير مع تفاعل جماهيري واسع !
بدأت رحلة هذا الثنائي الرائع عام ٢٠٢٢ في فترة كورونا حين قرروا خوض تجربة صناعة…
90 طائرة خاصة و30 قاربًا مائيًا».. تفاصيل «زفاف القرن» لثالث أغنى رجل في العالم
يستعد نجوم السينما والأعمال، لحضور حفل «زفاف القرن»، الذي يجمع مؤسس شركة أمازون، الملياردير الأميركي،…
مها الصّغير تتّهم طليقها أحمد السّقّا بالاعتداء عليها بالضرب… والنّيابة تتحرّك
لا تزال أصداء طلاق الممثّل المصريّ أحمد السّقّا والإعلاميّة مها الصّغير، تتصدّر العناوين، خصوصًا بعد…