علي عامل اختار ان ينحت أحلامه بصمت

علي
رنا جوني
تغيرت معادلة عيد العمال في لبنان، بات العيد مكسور الخاطر ، فلا العامل يعمل ولا المهن تجد من يُؤويها، وحده الفن لا يحتاج الى واسطة لتعمل فيه. علي شاب عشريني يعمل نجارًا ، وجد في هذه المهنة ملاذه الآمن من البطالة ولكنه يعتبرها "مقيدة" فلم يبق للبناني في وطنه غير مشاهدة التلفاز، والتعبير عن سخطه من وضعه على شبكات التواصل الاجتماعي.
ميدانيا لم يشهد عيد العمال اي تحرك، لم يحدث ثورة او حتى رفع صوت، كل يغني على ليل الحسرة، وحده علي اختار ان يرسم الخوف الدفين في نفوس البشر، اختار ان ينحت قضيته بصمت ويعريها من خوفها علَها يوما تنطق بالحقيقة ويتحرك العامل باتجاه حقه.
في منزل عتيق يفوق عمره الـ80 عاما تفوح منه رائحة الادب والشعر والابداع العلمي وتتفشى بين قناطره لوثة الحرية الممغنطة يعيش علي مع عائلته، حالتهم دون الوسط، ولكن البسمة لا تفارقهم.
تتحدث الام عن ابداع ابنها ، تريده ان يكون شخصا لامعا، وان تحميه من المجتمع وآفاته، تحفزه على الرسم وتفرح بما يقوم به. على جدران المنزل علقت لوحات علي ذات المغزى الانساني ، الخوف ينطق منها ، العتب يحيط بالعجوز الذي رسمه بقلم الرصاص. ينتظر علي العصر ليبدأ "بصناعة احلامه، ببناء قصره القوي". قرب المنزل شيد عرزاله، لوهلة تحسبه "زريبة"، بيد انه عرزال غريب بأطواره يشبه احد اعمدة الهنود الحمر الطويلة.
العرزال صنعه من الخشب ولوّنه من الخارج بالاكياس والشوادر، يخيل اليك انه "خربة، بينما تتبدل الصورة في الداخل، باب صغير تدخله لتلج الى عالم حوماني اليافع، كرسي صغير وبضع من ادوات النحت ومجسمات بعضها منجز وأخرى قيد الانجاز تقابلك.
في الجدران علقت اعمال حوماني، لوحات تنم عن غضب وحيرة وحب يولد من خلف الازمات، امام منحوتة "الروح الخالدة" يجلس علي يكمل انجازه الذي صنعه من الصلصال، الغريب في تلك الصورة ان علي يحاول ان يؤسس عالمه بالفطرة، والاغرب انه يسعى ليعيد تشكيل كتلة الوان الواقع بأمنية "الحلم القادم". يقول حوماني ان "النحت جزء من حياتي تأثرت به في صغري حين كنت أرافق والدي الى ورش العمل الصخري، كنت آتي بالصخور من الحقل وأعيد تشكيلها".
النحت يعطيه قوة
في حاروف حيث يقطن علي تتعرف على البيئة الثقافية "لآل الحوماني" فالجد الشيخ رضا الحوماني كان أديبا لامعا وكذلك اميرة الحوماني شاعرة العامية، واختها بلقيس وان خرج علي عن قاعدة الادب فانه يصنع هوية لفن آخر ، يقول ان "النحت يعطيه قوة فانا يجب ان استمد القوة لأساعد عائلتي، أعمل كثيرا فوالدي لا يستطيع العمل بعد ان سقط في احدى ورشات العمل، ولأن لا ضمان عمل يجب ان تكافح لتستمر، فالعامل في لبنان حرف ناقص لم يفعل لاجله نوابنا الا جواز الشرط بالصمت، فالنضال بات هدفي فأرسم لأخرج حال الخوف التي تسكن قلوب الناس، كل الوجوه تضحك ولكنها حزينة لذا ارسم وأنحت لأعبر عن تلك الحالات" .
العرزال والوطن
في عزراله يمضي ساعات، يشبه العرزال الوطن الغريب الذي يقف حائرا من حالة ابنائه، رغم حالة الابداع التي يتضمنها والمقاعد المتحركة التي تتحول تارة طاولة رسم، وطورا مقعدا وفي احيان اخرى شباكًا، الا انه يقف وحيدا بين لوحات ومجسمات يجهد لإنجازها، وكأنه يبني واقعا مغايرا عما عهده الشباب، "قليلا ما اجالس التلفون ولكن حين استعمله ابحث عن الفنانين الكبار لأتعلم منهم، لاني لم اتعلم لا فن الرسم ولا النحت في المدارس احاول اختبار قوة ابداعي عبر مشاهداتي" يرمي بكلماته على مجسم الحرية الذي ينحته ليقول "اردت الا يشبه مرسمي الا ذاتي وحيدا يكافح مجمعا".
محاكاة الغضب
يعشق الوحدة وربما هذا ما دفعه لأن يكون عرزاله صغيرا لا يتسع إلا لشخصين، صممه بطريقة لافتة، هندسه بما يتوافق مع طموحاته، مذياع عتيق صغير، قناديل كاز ولوحات وألوان كأنك في عالم من الخيال، يدفعك للتساؤل طالما هناك عبقرية عند الشباب لمَ لا يجري توظيفها بما يخدم الوطن؟ من يتجول في عرزال علي وأحلامه، ويتعمق في فنه وأفكاره يتأكد له أنه في عالم مغاير عن عالمنا العربي، فعلي قرر أن يرسم الخوف داخل نفوس الناس " لأن الناس لا تعرف ماذا تريد تخبئ حزنها بالضحكة"، ينحت قسوة المجتمع في وجوه يجعلها ناطقة بالقضية، وكأنه يريدها أن تصرخ وتعبر عن رأيها، "أريد الناس أن تحكي غضبها وتعبر عنه يكفي أن نكون اداة شرط يجب ان نصبح فعلا، أنظر جيل اليوم النحت والرسم علّماني كيف ادافع عن أهدافي وعالمي فدمج الألوان معا يعطيك قوة غريبة تحمسني ان أواظب في رحلته الشاقة.
يسعى حوماني الذي نبغت موهبته في العاشرة من العمر ان يحقق نجاحا في فنه، يخلق طاقة تغيير في عالمه، حين يحمل ريشته يشعر بقوة وحين يشكل منحوتة يقتل الضعف، فالنحات الشاب صاحب هوية "النحت قوتي والرسم رسالتي" يجهد ان يصنع من لاشيء "مقاومة"، ليس "كل شيء تجده بمتناولك، عليك ان تصنع كل شيء وان عارضك الجميع".
لا يعول علي كثيرا على فنه لأن قلّة تدرك قيمته "هناك من يسخرون من هذا الفن وينظرون اليه على انه تافه لا يعرفون قيمة ان تحلل الواقع بلوحة، أن تطل على معاناة الناس وتحاول ان تخرج الحزن من الداخل، مجتمعنا فقير جدا ولكنه غني بالأفكار الدفينة، فأحيانا قلة الحيلة تستفزنا نحو البحث عن أناتنا بعيدا عن آفات المجتمع".
حسم علي خياره، وجد في النحت ملاذه، "أنحت لأجد نفسي"، يلملم وجوه الناس ويحللها بمنحوته او لوحة فيبدو فيلسوفا في عمله، يبتكر أفكاره من واقعه، "فالحياة لغز وعليك تفكيكه" يقول يجب "ان نصل الى الراحة الأبدية، أبحث دوما عن الصعوبة لأصل الى ملاذي، القوة التي تمكننا من الوصول الى مبتغانا" يرمي بكلماته على منحوتته التي ينكب على إنجازها.
رسم أحلام منسية
في ذاك المرسم البسيط الذي لا تتجاوز مساحته المتر، وقف يرسم بضعة احلام منسية في وطن لا يعرف من الإبداع الا الإسم، نصّب فنه محاميا للدفاع عن حقوق المواطنين " المواطن جبان يجب ان يبدأ بالتعبير، ربما صعب أن تصل ولكن إستنطاق الوجوه تتولاه ريشتي واليوم أرسم وغدا يقف الكل يقرأ ذاته".
يعشق علي رسم الوجوه ، في تلك الوجوه التي يرسمها يعبر فيها عن الخوف، في حديثه يبحث عن اسباب الخوف وفي منحوتاته يجسد الخوف الذي ينزعه من ثوب إمراة وكأنه يحاول ان يبني طفولته التي لم يعشها كما يجب، ان يبحث عن اصدقاء خذلوه في الصغر، عن وحدته التي بنى فيها موهبته وصقلها بالنحت الذي بدأه في عمر العاشرة، وكانت منحوتته الاولى "المرأة الحزينة" التي نحتها من مفك البراغي والحجر مخاض ولادة النحت، الذي بدأ يبحث في داخله عن أناته "لانني أريد أن أنزع الخوف من داخل الناس، للأسف هناك من يسخرون من الفن".
تبدو لوحات علي ومنحوتاته وكذلك عرزاله أشبه بحكاية عامل يبحث عن حريته بين ضلوع الواقع، بين خبايا الضمير الميت، يخيل إليك انك في مسرحية الوان تتشابك معا ثم تتحد لتصنع ارادة شاب تحدى كل الظروف التي يقبع تحت وطأتها ليصنع هوية لطموحه، لحكاية حلم بعيداً عن أروقة الخوف الذي يعشش داخل قلوب الناس.
مقالات شبيهة
عرض جميع المقالاتمن هي ملكة جمال الكون 2025؟
تُوّجت ملكة جمال تايلاند أوبال سوشاتا على عرش جمال العالم، فيما حلّت ملكة جمال إثيوبيا وصيفة…
ما حقيقة وفاة دريد لحام؟.. عائلة الفنان توضح
تداولت بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مساء أمس بشكل مكثف خبر وفاة الممثل السوري…
ريهام سعيد تعلن الصلح مع طبيب التجميل نادر صعب: «أهلا بيك في مصر»
أعلنت الإعلامية المصرية ريهام سعيد تصالحها مع طبيب التجميل اللبناني نادر صعب، بعد نزاع استمر…