أبطال الكتب المستعملة "ينوّرون" المنازل اللبنانية بـ 2000 ليرة فقط!

في قرية راشانا اللبنانيّة المشهديّة القائمة في محافظة الشمال، يبثّ أبطال الكُتب المستعملة بكل أنواعها، الحياة والأمل في يوميات اللبنانيين المدمنين على القراءة والثقافة، وأيضاً الذين يبحثون عن كتب مدرسية وجامعية قد تمنعهم أسعارها الباهظة من الحصول عليها في المكتبات العادية.

ففي فسحة "بازار الكتب – سكمله" لصاحبها الأستاذ الجامعي المتقاعد مارون بشارة، نجد آلاف الكُتب بـ2000 ليرة فقط للواحد. هي تبرعات من أشخاص يزورونه يومياً من مختلف المناطق اللبنانية بعدما سمعوا عن قصة فسحته في القرية النائية والمشرفة على البحر، ويقدمونها له لينشر من خلالها المعرفة وجمال الروايات والكتب الأكاديمية واللغوية وغيرها إلى أكبر عدد ممكن من الناس. وها هو كتاب "القاتل الخفي" للروائية البوليسيّة أغاتا كريستي، يطل مُترجماً للعربيّة في نسخة قديمة إصفرّت أوراقها فأضافت عليه رونقاً وبهاء، إلى جانب نسخة مهترئة، ومع ذلك وجدت من يقتنيها، لسيرة الممثلة الراحلة الأسطوريّة مارلين دييتريتش كما روتها ابنتها. وهذه الشابة وجدت في "الدليل اللغوي" كما تقول لـ"النهار العربي": "رزقة اليوم". أما هذا الرجل الخمسيني، فبحث أكثر من ساعة للحصول على كتب قديمة يبث فيها حياة جديدة ويزّين من خلالها مكتبته الكبيرة في منزله القائم في الكورة الشماليّة.

الفسحة حميمية مؤلفة من أكثر من غرفة ويطل عليها النور في بعض الأماكن فقط وذلك من خلال شبابيك صغيرة تشرف على ومضات من جمال قرية راشانا. ويصاب الزائر بدهشة ما أن يدخلها لما تتضمنه من كتب ومجلات مستعملة منتشرة في كل الزوايا وعلى الرفوف التي تزين الجدران. ولكي يشعر عاشق الكتاب بأنه يعيش لحظات هادئة ومريحة للأعصاب داخل الفسحة وهو يبحث عن ما طاب له من كتب، يجلس مارون بشارة في الخارج ولا يزعجه أو يطرح عليه أسئلة. يسمح له بالغوص في أروقة الفسحة التي بناها ووالده الراحل الذي نقل إليه عشق الكتاب وتقديره لنزواته.

يروي بشارة لـ"النهار العربي" أنه لطالما عشق الكتاب وأبطاله الذين يبرعمون بين دفتيه. ويعترف بأنه عندما قفز من عتبة الطفولة فهم أهمية الدور الذي اضطلع به والده في حياته وحياة أشقائه الـ4، إذ إنه لم يبخل عليهم بأي كتاب طلبوه منه مهما كان ثمنه باهظاً. وفي زيارة لابنته الأستاذة الجامعية في جامعة "ماكغيل" الكنديّة، "قرأت ذات مرة على جدار محطة المترو جملة: "أعطوا حياة جديدة لكتابكم". وعندما سأل ابنته عن معنى هذه الجملة، "قالت لي إن خلفها جمعيّة تلم الكتب المستعملة التي يتبرع بها الناس ليتم بيعها لاحقاً بدولار كندي فقط". وإثر عودته إلى البلد، وبعد "جلجلة الأفكار مع والدي الذي كان لا يزال على قيد الحياة، طلب مني بعدما قررنا إعتماد هذه الفكرة في راشانا، أن يكون سعر الكتاب 2000 ليرة أياً كان نوعه وأهميّته. وقال لي: "طالما نحن على قيد الحياة، لن يتعدى ثمن الكتاب هذا المبلغ الذي وضعناه". كان ذلك منذ 3 سنوات ونيف، "وإنطلقنا من 50 كتاباً أخذناها من مكتبتي، وراح الناس يخبرون بعضهم بعضاً عن مشروعنا الصغير. يزورني الناس من كل لبنان. يقدمون كتبهم ويأخذون غيرها مقابل ألفي ليرة. وفي بداية السنة المدرسية زارتنا عائلات بحثاً عن كتب مدرسية وكانت فرحتي لا توصف عندما شاهدت البسمة على وجوه الأمهات".

ويقول بشارة إنه بنى الفسحة مع والده متوسلاً الكماليات التي أعيد تدويرها وهي تضم اليوم 15 ألف كتاب. "أعتبر ما أقوم به رسالة حياة. يزورني أشخاص من الجنوب ومن بعلبك ومن زحلة". وقد أطلق على فسحته التي لا تتعدى الـ120 متراً مربعاً اسم "بازار الكتب – سكمله" تيمناً بطاولة السكمله الصغيرة التي كانت جدته حريصة عليها في منزلها، وكانت تردد باستمرار: "انتبهوا إلى السكمله ولا تزيحوها لكي لا تنكسر منفضة السجائر التي وضعتها عليها. بقي الاسم عالقاً في ذهني ووجدته مناسباً لفكرة المشروع الرومنطيقية".