المخدّرات الرقمية تغزو المجتمع اللبناني.. في ظل انعدام التوعية

د. وديعة الأميوني

د. وديعة الأميوني

كسر "جيل النت" كل ما هو متوقّع... وحوّل التواصل الاجتماعي إلى أداة للإدمان، إذ لم يعد مفهوم الإدمان يتمحور حول استهلاك المخدّرات عن طريق التدخين أو الحقن أو الشم أو المضغ، بهدف الوصول إلى حالة "استرخاء مرضية" تؤذي الصحة النفسية والجسمية للإنسان.. بل تطوّر الفكر الإنساني ليحوّل نظم التعاطي إلى عادة وإدمان إلكتروني يُحدِث نفس تأثير المخدّرات التقليدية على الجسد وتفاعلاته الكيميائية...
فقد غزا الإدمان الرقمي مؤخّراً مجتمعاتنا، ليشكّل صدمة قوية للعائلة والمجتمع التي كابدت الكثير من أجل مكافحة ظاهرة الإدمان، إذ تشبه مؤثّراته المخدّرات التقليدية وربما أكثر خطورة، حيث يقع الفرد في فخ الإدمان على هذه الآلة المعاصرة، وتزداد سعة انتشار هذه الظاهرة مع تزايد دخول "الإنترنت" إلى البيوت والأكاديميات والمقاهي، وتطال آثارها الفئات الشابة من الطلاب الجامعيين لجهة الدراسة أو العمل أو تمضية أوقات الفراغ ما يصعب ضبطها...
وقد يتأثّر مدمن الشبكة العنكبوتية ومهاراته التواصلية أو تفاعله الاجتماعي مع الآخرين دون درايته وتبقى التوعية معدومة في هذا الخصوص والأبحاث التي تناولت هذه الآفة غير كافية على المستوى المحلي والبلاد العربية، الأمر الذي يدفع لإلقاء الضوء على "ظاهرة إدمان الإنترنت" وأثره على مهارات التواصل الاجتماعي لدى الشباب الجامعيين والمراهقين...
"لـواء صيدا والجنوب" توقّف أمام غزو هذه الظاهرة، مسلّطاً الضوء عليها للتنبيه من خطورتها، في وقت تسعى فيه المؤسّسات الاجتماعية والإنسانية والطبية إلى الحد من آفة ظاهرة الإدمان الفعلي...

 

المخدّرات الرقمية

 

تختلف أنواع المخدّرات الرقمية واستعمالاتها مثل المخدّرات التقليدية تماماً.. فهي تحمل أسماء تلك المخدّرات كل بحسب مفعولها، كالماريجوانا والكوكايين وغيرها، إلا أنّ المخدّرات الرقمية تقدّمت على سابقتها بالاستخدامات، فبالإضافة إلى هذه الأنواع، نجد من بين استخدامات المخدّرات الرقمية إنقاص الوزن، ومسميات أخرى كـ "أبواب الجحيم" و"المتعة في السماء".
ويؤكد خبراء الإدمان أنّ خطورة المخدّرات التقليدية تزداد على خطورة تلك "الرقمية"، إلا أنّ المدمن التقليدي لن يستطيع الاستعاضة بها عن المخدّرات، وذلك لحاجة جسده الفيزيولوجية للمواد المخدّرة، ما يعني أنّها لا تشكّل حلاً، بل خطراً إضافياً يتنامى معه عدد المدمنين في المجتمعات، بينما تقوم المخدّرات الرقمية أو Digital Drugs التي تنساب من الأذنين على شكل نغمات، لتصل إلى الدماغ وتؤثّر على ذبذباته الطبيعية، وتُدخِل متعاطيها إلى عالم آخر من الاسترخاء.
وتتم تجارة هذا النوع من المخدّرات عبر الإنترنت، والأكثر عرضة هم الشباب والمراهقون، وتأخذ منتجاته شكل ملفات صوتية (mp3) تُحمّل أولاً بشكل مجاني كعيّنة تجريبية، غالباً ما تحقّق غرضها، وتُوقِع المستمع إليها ضحية الإدمان، حيث يجلس المتعاطي في غرفة خافتة الإضاءة، ويطفئ جميع الأدوات الكهربائية التي يمكن أنْ تسبّب تشويشاً أو إزعاجاً، ويرتدي ثياباً فضفاضة ويضع سماعات، ويكون بحالة استرخاء شديد، ثم يغمض عينيه ويشغّل الملف الصوتي وهو ما يطلق عليه تسمية "الهيرويين الإلكتروني".

 

آراء الطلاب

 

* ويؤكد الشاب الجامعي علي أنّه سمع بهذه الآفة الجديدة من المخدّرات، لكنه لم يحاول أنْ يجرّبها خشية أنْ يقع فريسة لها ويصبح مدمناً ولا يقوى على التخلّص منها، "لقد حاول غيري فعل ذلك ووقع في شباكها، ولا أريد أن أجرّب أبداً... لكن هناك شخصاً جرّبها ووجدها "ممتعة"، وتنقل الإنسان إلى حالة من النشوة، غير أنّه لم يكرّرها خوفا من الإدمان، والمطلوب حملة توعية كبيرة تشرح للطلاب والمراهقين خطورتها ولو على سبيل التجربة".
* وتوضّح الطالبة ابتسام "أنّ ما نُشِرَ حول هذه الآفة الجديدة غير كافٍ إلى الآن، والمطلوب أنْ تنظّم دورات تثقيفية حولها، لحث الشباب على عدم خوض غمارها أو الاقتراب منها على اعتبار أنّها خطر داهم ومدمّر، ويشجع خلو هذا النوع من المخدّرات من أي مواد كيميائية، المدمنين الجُدُد على تعاطيها ظنّاً منهم (وكما يروّج موقّع التحميل) أنّ لا تأثيرات سلبية لها".
* ويشرح أحد الذين وقعوا ضحيتها "أنّ الجانب المخدّر هو النغمات نفسها، ويكون عبر تزويد طرفي السمّاعة بدرجتين مختلفتين من التردّدات الصوتية، ويكون الفارق ضئيلاً يقدّر بـ 30 هيرتز، لذلك يجب أنْ تكون السمّاعات ذات جودة عالية ومن نوع "ستيريو" كي تحقّق أعلى درجات الدقة والتركيز، إذ إنّ الفارق بين طرفَيْ السمّاعة هو الذي يحدّد حجم الجرعة، فكل ما زاد الفارق زاد الدوز".

 

"هيرويين سلوكي"

 

* ويؤكد خبراء الإدمان المخيف "أنّ هناك مواقع تحاول التسويق لهذه المخدّرات لجذب وإقناع الشباب ببعض الحجج الصحيحة، ككون هذه المخدّرات لا تحتوي على مواد كيميائية قد توثّر فيزيولوجياً على الجسم، وأنّها تؤثّر إيجاباً على الجسم، حيث تُشعِر متعاطيها بالاسترخاء أو بالحركة المفرطة والنشاط، علماً بأنّ تأثير المخدّرات الرقمية قد يعادل التأثير الذي تُحدِثه المخدّرات التقليدية على عمل الدماغ والتفاعلات الكيميائية والعصبية والحالة النفسية للمتعاطي".
* وتقول الدكتورة في العلوم الاجتماعية وديعة الأميوني: "إنّ المخدّرات الرقمية تجتذب جيل الشباب اليوم دون شروع المعنيين في وضع قوانين تحظّر استخدامها رغم خطورتها، أو أقلّه العمل على حجب المواقع الإلكترونية التي تروّج للمخدّرات "الديجيتال" أو الرقمية عبر صفحات التواصل الاجتماعي والتطبيقات، واعتبارها آفة اجتماعية خطيرة تهدّد الأمن الاجتماعي للأفراد والجماعات، فأكثر مَنْ يتعرّض للإدمان على الإنترنت هم الفئات الشابة، خاصة المراهقون منهم، والذين يجدون صعوبة في الاندماج الاجتماعي، فيفضّلون الجلوس انفرادياً وراء الشاشة الإلكترونية بهدف التواصل والدردشة والقراءة والتعلّم والترفيه، دون الحاجة إلى التفاعل المباشر مع الآخرين".
وتضيف: "أعراض إدمان الإنترنت كـ "هيرويين سلوكي" تؤثّر على علاقات الفرد الاجتماعية وسلوكياته ومهاراته التواصلية ضمن إطار الواقع الإيكولوجي الذي يعيش فيه ويجذب إليه ما يتلقّاه ويختبره من الفضاء الإلكتروني، وبالتالي فإنّ الإدمان عليها وتقوية الرابط "العاطفي" غير المبرّر تجاهها، وصولاً إلى الانطوائية والانعزالية حيث تبقى العلاقة مبتورة وغير متبادلة بطبيعة الحال بين الإنسان والآلة رغم حاجته الماسّة إليها أو إلى الشعور بالآخر من خلالها، فلماذا يستبدل الشباب الجامعي مهاراتهم التواصلية مع الأفراد بخلق علاقة "وهمية" مع الآلة؟، ولماذا يدمنون على استعمال الشبكة العنكبوتية؟، ولماذا يفضّلون التواصل مع الآخرين من وراء الشاشات لتصبح وسيطاً وحاجزاً للتفاعل الاجتماعي وجهاً لوجه؟، وهل يتجّه الفرد نحو المخدّرات الرقمية من أجل التعويض عن الفراغ العاطفي أو الانعزالية التي ينتجها الإدمان الإنترنتي؟ أم إنّ الأفراد الذين يعانون مشاكل نفسية في الأساس يتجهون نحوها؟".

ثريا حسن

 

مقالات شبيهة

عرض جميع المقالات
دار “غراف” السويسريّة للمجوهرات تتعاون مع المصمّم اللبناني رولان رحّال

دار “غراف” السويسريّة للمجوهرات تتعاون مع المصمّم اللبناني رولان رحّال

بينما يعيش لبنان مشاكلَ اقتصاديّة وأمنيّة، فهو يظلّ مزدهراً في مجال الموضة أينما حلّ في الخارج.…

موضة الذهبي لإطلالة براقة في مناسبات نهاية العام

موضة الذهبي لإطلالة براقة في مناسبات نهاية العام

أسابيع قليلة تفصلنا عن إطلالات مناسبات نهاية العام 2023 مع ما تحمله من أفكار وتصاميم…

"مهرجان البحر الأحمر".. الألماس يسيطر على النجمات

ليست فساتين النجمات وحدها الطاغية في "مهرجان البحر الأحمر" الجاري حالياً في مدينة جدة السعودية،…